يُعد اللقب الرابع والخمسين في تاريخ كأس إفريقيا للأندية البطلة، أو عصبة الأبطال في مسماها الجديد (بعد1997)، الذي حازه فريق الترجي التونسي، مساء أمس، في ملعب “رادس” في العاصمة التونسية تونس، بعد أن هزم نادي الأهلي المصري بنتيجة أربعة أهداف مقابل ثلاثة، مجموعة نتيجة مباراتي الذهاب والإياب، ليلتحق بثالث نجمة قارية في سجل الأندية المتوجة، أغلى الألقاب الإفريقية، في لائحة تضم الرجاء الرياضي، الوداد الرياضي والجيش الملكي، سفراء الكرة المغربية، بما مجموعه ستة ألقاب.
الحيش الملكي.. فاتحة الخير
بعد 16 سنة عن تلك الهزيمة المشؤومة أمام فريق “تي بي إنغلبيرت” (ممثل الزايير سابقا)، عاد الجيش الملكي بكبرياء الإقصاء من نصف نهائي كأس إفريقيا للأندية البطلة، وهو أكثر قوة، في صدام مع سفير آخر للزايير، يدعى هذه المرة “آس بيليما”، بعد أن أقصى المغاربة كل من النادي البنزرتي التونسي، “آس كالوم” الغيني في مباراة تاريخية عرفت هزيمة رفاق عبد الرزاق خيري في الذهاب بثلاثية نظيفة، قبل “الريمونتادا” إيابا، ثم الصعود إلى نصف النهائي بعد الاحتكام لضربات الترجيح.
وإن كانت ذكرى نصف النهائي أمام الزمالك المصري تحتفظ بتأهل ممثل الكرة المغربية، إلا أن تلك المباراة لن ينساها عشاق الجيش الملكي، حيث شهدت حادثة الاعتداء العنيف في حق النجم محمد التيمومي، تجرعت الكرة المغربية مرارتها وغاب صاحب الكرة الذهبية السابق عن ملحمة النهائي التاريخي في 30 نونبر 1985.
حمل الشاب عبد الله هايدامو على عاتقه مسؤولية تعويض التيمومي، حيث كان اختيار المدرب المهدي فاريا ناجحا، معولا على أداء رائع وأسلوب الكرة الشاملة، تيمنا بكرة أجاكس أمستردام الهولندي بقيادة ستيفن كوفاتش، وذلك بوجود أسماء من قبيل الرموكي، حمدي، حسينة، لمريس، فضيلي، حليم، شيشة والعزيز.
بسط الجيش سيطرته على مجريات المباراة، وسجل خيري، ثنائية لهايدامو، وشيشة من ضربة جزاء والجناح حليم ختم الخماسية، فيما اكتفى “بيليما” بثنائية، قبل مباراة العودة في لوبومباتشي، حيث انتهت المباراة بالتعادل الإيجابي هدف لمثله، ليعود “العساكر” بأول لقب قاري في تاريخ الأندية المغربية.
رجاء 1989.. ملحمة وهران
شكلت سنة 1989 نقطة تحول في فلسفة “الراجا لفراجا”، حيث شكلت نسخة كأس إفريقيا للأندية البطلة، فرصة من أجل أن تتغير الرؤية إلى ثقافة الألقاب، بعد أن حاز فريق “النسور” أول ألقابه على مستوى البطولة، سنة قبل ذلك، كما أحرز لقب مسابقة كأس العرش سنة 1974، سنوات عدة بعد التأسيس في 1949.
مغامرة الرجاء القارية كانت محفوفة بالمخاطر، بداية بتجاوز “جان دارك” السنغالي، مرورا بإقصاء “بور جونتي” الغابوني، ثم “انتر كلوب” الكونغولي، قبل مباراة بطولية في الكاميرون أمام “تونير ياوندي”، ليصطدم في النهائي بمواجهة مولودية وهران الجزائري، الأخير الذي ليس غريبا عن رابح سعدان، قائد سفينة الرجاء حينها.
رحل الرجاء إلى وهران بسبق الهدف الذي سجله ساليف ندياي في مباراة الذهاب بمركب محمد الخامس، والتي أظهر فيها الجزائريون أنهم خصم لا يستهان به، وهو ما تجلى أيضا في مباراة العودة في 15 دجنبر، حيث تصيد النجم لخضر بلومي ضربة جزاء، منحها الحكم المصري محمد حفيظ ونفذها بنجاح اللاعب صباح.
التقط اللاعبون المغاربة أنفاسهم في الجولة الثانية، حيث كان الرجاء قريبا من حسم المباراة بعد أن أتيحت فرصتان سانحتان لكل من فوزي وفتحي جمال، لتستمر مجريات المباراة إلى غاية مرحلة ضربات الجزاء، الأخيرة نجح رباعي الرجاء في تسجيلها، فيما أضاع الجزائريون ضربتين عن طريق كل من بوت وبنحليمة، ليتوج “الأخضر” بأولى ألقابه القارية من قلب الجزائر.
وداد 1992..من رحم “التشويق”
تعد من الذكريات الراسخة في أذهان “الوداديين”، حيث عاشت المدينة العتيقة في الدار البيضاء ليلة 29نونبر 1992، على نغمات وأهازيج “هي هي وداد وداد”، كيف لا والفريق “الأحمر” تمكن أخيرا من خطف ذلك اللقب القاري الذي طال انتظاره.
بحضور الملك محمد السادس، ولي العهد حينها، داخل مدرجات “دونور”، استبشر “الوداديون” خيرا بتحقيق نتيجة إيجابية قبل مباراة العودة في الخرطوم، إلا أن ضغط المباراة النهائية ظهر على عناصر الوداد، إذ امتزجت السرعة بالتسرع في بعض الأحيان.
حبس أزيد من 65ألف متفرج أنفاسهم طيلة مجريات المباراة، قبل أن يأتي الفرج بعد إعلان الحكم الغابوني عن ضربة جزاء لصالح فخر الدين رجحي، نفذها رشيد الداودي بنجاح، قبل ثلاث دقائق من نهاية المباراة، ليعود بعدها يوسف فرتوت من أجل مضاعفة النتيجة بعد تمريرة حاسمة من أقدام موسى نداو.
لقاء العودة، تمكن من خلاله “الشياطين الحمر” من الحفاظ على سبق الهدفين، ليفلتوا من جحيم الخرطوم، بتحقيق تعادل سلبي، منح اللقب لكتيبة المدرب يوري، حيث سيحفظ التاريخ أسماء: عشاب، النيبت، أبرامي، فاضل، الداودي، مستوري، بنعبيشة، فاسيلي، موسى نداو، فرتوت وفخر الدين، صانعي أول مجد قاري في خزانة مركب الحاج محمد بنجلون.
أول “عصبة” في 1997.. حملت ألوان الرجاء
بوجه جديد، تسلح الرجاء الرياضي ببضع أسماء داخل تركيبته البشرية بعد واقعة الاندماج مع نادي الأولمبيك البيضاوي، قبل أن يستهل مسارا قاريا آخر، يحمل صبغة جديدة من قبل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، التي اختارت اسم “عصبة الأبطال الإفريقية” بنظام المجموعات في مرحلة قبل النهائي.
اجتاز الرجاء سوناكوس السنغالي بخماسية، ثم مبيلينغا الغابوني برباعية، قبل أن يضع لنفسه مكانا ضمن الثمانية الكبار قاريا، موزعين إلى مجموعتين، يتأهل المتصدر فيهما إلى المباراة النهائية، إذ وضعت القرعة الفريق المغربي في مجموعة تضم اتحاد العاصمة الجزائري، أورلاندو بيراتس من جنوب إفريقيا وبريميرو أغوستو الأنغولي.
بلغ الرجاء المباراة النهائية، بشق الأنفس، بعد أن فوجئ بهزيمة في البيضاء أمام اتحاد العاصمة، قبل أن يجلب بطاقة العبور من جنوب إفريقيا، بعد انتصار بنتيجة هدفين مقابل واحد أمام “الأورلاندو” في عقر داره، ليتأهل بفارق الأهداف أمام ممثل كرة القدم الجزائرية بعد التساوي في عدد النقاط.
خصم غاني يدعى “غولدفيلدس”، كان في انتظار الرجاء في طريقه نحو النجمة الثانية، حيث أجبر الأخير الفريق المغربي على خوض مباراة إياب “تاريخية” بعد أن هزمه بهدف في غانا، إذ كان أزيد من 60ألف متفرج غصت بهم جنبات “دونور” على موعد مع أحد أصعب المباريات في تاريخ النادي.
انتظر جمهور “الماكانا” إلى غاية الدقيقة 78 لينتعش بهدف عبد الكريم نزير بعد “أسيست” من مصطفى مستودع، أعاد الرجاء إلى التباري وتعديل النتيجة مع سبق الذهاب للغانيين، يحتكم بعدها الفريقان إلى ضربات الجزاء، كما كان الشأن خلال أول تتويج قاري لـ”الخضر” في وهران سنة 1989.
صد الحارس مصطفى الشادلي الضربة الترجيحية الخامسة للغانيين، ليطلق العنان للاحتفالات داخل البيضاء كما في مختلف ربوع المملكة، كما سجل الرجاء اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ أقوى الأندية القارية، بعد أن رفع العميد عبد الإله فهمي اللقب الثاني.
ملحمة المنزه.. إلى العالمية يا رجاء!
بعد أن فقد لقبه لصالح “أسيك ميموزا” الإيفواري، عاد الرجاء للبحث عن معشوقته الإفريقية وسط أدغال القارة، لاسيما وأن كأس 1999، وفي حال أحرزه الفريق “الأخضر”، سيحتفظ به للأبد في خزانة ألقابه، كما سيخول له لعب كأس العالم للأندية أول فريق إفريقي يخوض “موندياليتو2000” في البرازيل.
مر الرجاء من “فخ” الأدوار الأولى، حين أجبر على تجاوز فريق دجوليبا المالي بصعوبة، قبل أن تضعه قرعة المجموعتين، في مواجهة الأهلي المصري، قلوب الصنوبر الغاني وشوتينغ ستارز النيجيري، مجموعة أولى تصدرها الرجاء برصيد 11 نقطة، من أصل ثلاثة انتصارات، وتعادلين وهزيمة واحدة.
في الجانب الآخر، خرج الترجي التونسي متصدرا لمجموعته، ليضرب موعدا مع الرجاء في ملعب “الأب جيكو”، خلال لقاء ذهاب النهائي القاري، هذا الأخير لم يمنح الإشارات المطمئنة لجيل من الشباب داخل التركيبة البشرية للمدرب الأرجنتيني أوسكار فيلوني، في مواجهة انتهت بالتعادل السلبي.
لم يكن يعلم سفراء الكرة المغربية ما ينتظرهم في “جحيم” ملعب المنزه بتونس، حيث كانت كل الظروف مهيأة من أجل أن يظل اللقب في “باب السويقة”، إلا أن التاريخ سيسجل للرجاء أنه تمكن من خطف نجمته الثالثة رغم كل الظروف التي أحاطت بمباراة العودة، من طرد المدافع عبد اللطيف جريندو، إلى ضربة الجزاء الضائعة من قبل التونسيين حتى بلوغ مرحلة ضربات الجزاء، الأخيرة التي ابتسمت لثالث مرة لصالح “الرجاويين”، على غرار 1989 و1997.. بقية القصة مسار “مونديالي” للتاريخ في البرازيل ومباراة للذكرى أمام ريال مدريد الإسباني.
وداد “الأمة”.. تاج قاري ثان في 2017
من أجل الجيل الذي لم يعايش إنجاز 1992 ومن أجل تاريخ “وداد الأمة” الذي يحتفظ بلقب يتيم، صمم “جند الوداد” على قيادة زملاء محمد أوناجم، اسماعيل الحداد وأشرف بنشرقي من أجل المجد القاري الثاني في تاريخهم.
الطريق للنهائي لم تكن مفروشة بالورود، منذ ذلك الدور الأول أمام مونانا الغابوني، حين تسمر المغاربة أمام المذياع ليخلصهم المدافع الشاب بدر كادارين من “ضغط” انتظار نتيجة ضربات الجزاء، ليعبر بفريقه “الأم” نحو دور المجموعات، إلى جانب الأهلي المصري، زاناكو الزامي والقطن الكاميروني.
رغم تعرضه لهزيمتين، إلا أن الانتصارات الأربع التي حققها الوداد، بوأته الصدارة، متقدما على الأهلي القاهري، ليضرب ممثل الكرة المغربية موعدا في دور ربع النهائي أمام “ماميلودي صن داونز” من جنوب إفريقيا، الذي أذاق “الحمر” جحيم ضربات الجزاء مجددا، بعد أن اضطره إلى خوضها من جديد، في ليلة عصيبة بملعب الأمير مولاي عبد الله في الرباط، خرج منها “الفرسان الحمر” ببطاقة غالية إلى مباراة نصف النهائي.
بدأت الأطماع تزيد عند “الوينرز”، من أجل بلوغ هذه المباراة النهائية والثأر من الهزيمة أمام الترجي التونسي في نهائي2011، فأبانت العناصر “الحمراء” عن علو كعبها أمام فريق اتحاد العاصمة الجزائري في دور نصف النهائي، بعد مباراة كبيرة في لقاء الإياب، انتهت بنتيجة ثلاثة أهاف مقابل هدف واحد لصالح رجال المدرب الحسين عموتة.
نهاية الرواية الجميلة، كانت بصعود العميد ابراهيم النقاش لتسلم الكأس الغالية، في حلة مغايرة لتلك التي رفعها فاضل في الخرطوم السودانية سنة 1992، بعد انتصار مثير أمام الأهلي المصري برأسية اللاعب وليد الكرتي، مستفيدا من التعادل بهدف لمثله خلال مباراة الذهاب في الإسكندرية.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.